B]قال تعالى :{فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً }(5)الإسراء
أي فإذا جاءت عقوبة أُولى المرَّتين من الإفساد، أرسلنا عليكم عباداً لنا، وهؤلاء العباد قيل أنهم جالوت وجنوده قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفاً وقيل بُخْتَنَصَّر وهو الذي دخل ووجد الدم يفور فسألهم لمن هذا فكذبوا فقتل أعداداً هائلة حتى اعترفوا أنه دم يحيى، فأكمل السبعين ألفاً حتى سكن الدم وقيل بل سبعين ألفاً مرتين وقيل بل قتل بختنصر أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وخرب بيت المقدس، وذهب بالبقية إلى أرضه فاستعبدهم هناك في الذل والخدمة بالخزي والنكال والعقاب على ما فعلوا مائة عام
وقيل أن بختنصر وجنوده كانوا عباداً مؤمنين لله، وهم البقية الباقية من إتباع النبي يونس عليه السلام، فهم من بلده وباقي عشيرته وقيل هم العمالقة البدو الرُّحَّل المقاتلين، وكانوا كفاراً ولكنهم عبيد لله ففي قراءة }عبيداً لنا{، فإن سأل سائل هل يصح أن يبعث الله الكفرة على ذلك ويسلطهم عليه، تكون الإجابة أن الله خلَّى بينهم وبين ما فعلوا ولم يمنعهم قيل هو ملك الموصل سنحا ريب وجنوده، أو قوم من أهل فارس، وقالوا بل سلَّط الله عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك فارس وأيا من كانوا فقد كانوا ذوي عدد وقوة في القتال
{فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ}، وجاسوا إما هي وصف لما فعلوه، أي أنهم تملكوهم ومشوا خلال ديارهم إذلالاً وتكبراً وقهراً، أو مشَوا بين منازلهم يتجسسون أخبارهم، ولم يكن قتال، وزاد البعض قليلاً فقالوا بل عاثوا وأفسدوا، يقال جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إذا فعلوا ذلك وقد تكون جاسوا وصفاً لنتيجة تالية لما فعلوه بهم، وهذا لمن قالوا بالتقتيل وقد حدث أكثر من مرة فقتلوهم وبلغ من تقتيلهم أنهم طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه، ليفعلوا، لأن الجوس هو طلب الشيء باستقصاء، فقد استقصوا في طلب قتلهم، ويمكن أن تقول بلغة اليوم تمشيط الديار بحثا عنهم لقتلهم بعد أن قتلوا من قتلوا، وقيل قتلوهم حيثما وجدوهم بين بيوتهم وفى شوارعهم أو في داخل مخادعهم وديارهم
واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلَّط عليهم أقواماً قتلوهم وأفنوهم
[/B]