[frame="7 10"][SIZE="5"][CENTER]إننا نتوقَّع ونتأمَّل ونتطلع ونرسم في عقولنا خططا لحياتنا ونتوقع في قلوبنا برنامج لعمرنا ، لكن قلم السماء هو الذي يحدد مقادير الأشياء، والذي يعترض عليه يقول الله تعالى له في حديثه القدسي: {مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلاَئِي، فَلْيَلْتَمِسْ رَبّاً سِوَايَ}{1}
أيقن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الرزق بقول الرزاق عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الزخرف32
فعلموا أن هذا الأمر لله فلم الاختلاف مع عباد الله في أمر قضاه الله قبل خلق الخلق بألفي عام؟ ، لقد قال صلى الله عليه وسلم : {إن الله خلق الخلق وقدَّر الأرزاق قبل خلق آدم بألفي عام}{2}
فلم نتحاسب على أمر قدَّره الله؟ ولم نتنافس في شأن لم ينل المرء منا إلا ما قدَّر الله لماضغيه أن يمضغاه؟ هذا هو الذي قاله الله في القرآن كذلك وكذلك سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم
أمر الإنجاب هبة من الوهاب: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً{50} الشورى
فلم أحسده على أن الله أعطاه أولاداً وأعطاني البنات؟ وماذا أفعل إذا اعترضت على القضاء إلا عدم الحصول على الثواب والجزاء الذي أعده الله لمن رضى بأمره وسلم بقضائه عز وجل؟ أما الاعتراض على أمر الله لا يزيد القلب إلا حسداً وحقداً وبغضاء وإحنا على خلق الله ويزيد الجسم توتراً وقلقاً وإضطراباً وأمراضاً أشار الله إليها فقال: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً{19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً{20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً{21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ{22} المعارج
أنتم المحميون من هذه الأمراض لأنكم أخذتم التطعيم من كتاب الله والتحصين من سنة رسول الله فوقاكم الله شر هذه الأمراض في أنفسكم وفى أهليكم وفى مجتمعكم وفي كل حياتكم
علم أصحاب رسول الله بما علمه الله علم اليقين أن الدنيا ليست لحيّ وطناً ولا تدوم لإنسان سكناً وعلموا أنها ممر ومعبر إلى الدار الآخرة فاتخذوها معبراً ولم يشغلوا أنفسهم بزخارفها ومطارفها بل رضوا بما قدَّره الله لهم في هذه الحياة
ما الذي أفسد معظم أفراد المجتمع؟ أن لهم تطلعات في عالم الدنيا: شقة صفتها كذا سيارة ماركتها كذا وظيفة هيئتها كذا والذي لا يبلغ هذه الأشياء بما أتاه الله يبحث عن الطرق الملتوية التي حرمها الله ليحصل على ما تهواه نفسه ، وإن كان في ذلك غضب الله ، قد يكون رزقه محدوداً لكن فيه الكرم والجود إذا اتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم
فإذا أراد أن يزيده تراه يرتشي تارة، ويخدع تارة ويغش مرة أخرى ويضحك على إخوانه ويخادع أهله وذوي رحمه وجيرانه على مال ربما ينتهي عمره قبل أن يصل إليه لأن الله استدعاه إليه فيموت بحسرته ولم يتنعم بشهوته لأنه خالف أمر الله وفعل ما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا جمعه من الحرام جعل الله له أبواباً من الحرام ينفق فيها هذا المال ، فقدَّر في مجتمعنا أنواع المسكرات والمخدَّرات لتأخذ الأموال الحرام التي جاءت عن طريق الشبهات ، وفجَّر لنا في دنيانا المباني التي ينافس فيها علية القوم ، فيبني أحدهم قصراً عظيماً على ساحل من السواحل لا يذهب إليه إلا مرَّة كل عام وإذا طلبت منه شيئاً للفقراء والمساكين والأيتام يأتي لك بألف حجة لأن الله لا يوفقه لفعل الخيرات ، وإنما كان كما ورد فى الأثر: {شرُّ المال ما وُسِّد في التراب} فهذا بنى لنفسه قصراً في الدنيا ونسى أنه مقبل على الآخرة:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مســكنه وإن بناها بشـر خاب بانيها
يجمع شبابنا الأموال بالكاد وإن أراد أن يتزوج صرف عشرات الآلاف من الجنيهات على حفلات الزواج وربما يريد أحد أقاربه أن يكرمه في نظره فيعطيه تذكرة إلى إيطاليا أو فرنسا ليقضي فيها شهر الزواج الأول فينفق المال فيما يغضب الله هلاَّ أنفقه في عمرة إلى بيت الله الحرام ليكون أول ما يتقابل مع زوجته في بيت قال فيه الله: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} آل عمران97
هلاَّ فكر هو وزوجته أن يقضيا زيارة إلى النبي الكريم ليوثق روابط الزواج بينهم ليكون هذا المال فيما يرضي الله ويحبه الله ، هلا صنع وليمة للفقراء والمساكين حتى يكون زواجاً مباركاً ولم ينفقاه على الراقصات والمغنين وغيره إلى آخر ما تعلمون ، ألا تعلم يا أخي إنك تُسأل عن كل قرش يوم القيامة سؤالان: من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟
فلو أيقنا بأن هذه الدنيا إلى زوال وأن إلى ربك المنتهى وإننا سنحاسب على كل نَفَس قضيناه فيها وكان هذا الأمر في قلوبنا لا نصلح حالنا وكنا على خير ما يحبه الله ويرضى عنه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم[/SIZE]
[SIZE="3"]{1} رواه الطبراني عن أبي هند الداري، ورواه البيهقي عن أنس {2} رواه مسلم عن عمر مرفوعاً ولفظه: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام" {3} الحاكم فى مستدركه عن أبـي هريرة فى الفتح الكبير[/SIZE]