[frame="4 10"][SIZE="5"][CENTER]ونحن في يوم من أيام خليل الله عليه السلام وقد كان هذا اليوم يوم استجابة من الله عز وجل لخليله إبراهيم حيث طلب من الله عز وجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين يعني يذكرونه ويشرحون سيرته ويتعظون بمسيرته ويتأسون بسنته إلى يوم الدين
فما من نبي إلا ونذكره سنة وننساه سنين أو نذكره وقتاً قد يطول وقد يقصر إلا نبي الله إبراهيم فلابد أن نذكره كل عام ولابد أن نحكي قصته كل عيد أضحى. لماذا؟ استجابة لقول الله عز وجل {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} الشعراء84
هذا النبي الكريم اسمه خليل الله ، لماذا سمي بهذا الاسم؟ روى البخاري ومسلم أن خليل الله إبراهيم عليه السلام خرج كعادته يوماً يبحث عن الضيفان وكان لا يأكل إلا مع ضيف ويمكث يوماً بل أيام بدون أكل حتى يعثر على ضيف ليأكل معه وكان يمشي الأميال باحثاً ذات اليمين وذات الشمال عن الضيف لما علمه من أجر إكرام الضيف عند الكريم عز وجل
فذهب يوماً وعاد ولم يجد أحداً ثم دخل المنزل فوجد رجلاً جالساً في منزله فقال له: لم دخلت المنزل بدون إذن سيده؟ قال: قد أذن لي رب الدار ، قال: من أنت؟ قال: أنا ملك أرسلني الله عز وجل ليبشر رجلاً من عباده بأنه خليل الله عز وجل
قال: دلني على هذا الرجل فوالله لو دللتني عليه ثم كان في أقصى بقاع الأرض لذهبت إليه وعشت معه حتى ألقى الله عز وجل ، قال: إنه أنت ، قال: أنا. أنا وأخذ يكررها مبهوراً متعجباً فرحاً مستبشراً. قال: ولم؟ ، قال: لأنك تعطي لله ولا تسأل الناس شيئاً
وانتهى الملك من بشارته ، وإذا بملك الملوك عز وجل يفتح بابه لإبراهيم ويوحي إليه يا إبراهيم تعلم لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب ، قال: لأنك جعلت جسدك للنيران ، وولدك للقربان ، ومالك للضيفان ، وقلبك للرحمن عز وجل
فلم يأخذها بالفهلوة ولم يأخذها بالنصب والاحتيال ولم يأخذها بطريق مفروش بالورود ولكنه طريق صعب طويل في سبيل الدعوة إلى الملك الجليل عز وجل ، بدأ هذا الطريق مع أبيه أولاً حيث كان أبوه هو الذي يصنع الآلهة ويبيعها للناس ليعبدوها من دون رب الناس عز وجل
فطلب منه أن يذهب إلى السوق ليبيع هذه الآلهة فنفذ الأمر وذهب إلى السوق وأخذ ينادي عليها ساخراً متهكماً ويقول: الإله الذي لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر بكذا ، فنقل الناس الخبر إلى أبيه فجاء إليه مسرعاً وقال: ماذا تفعل؟ - لأنه يحارب دين أباه - فقال: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} مريم42
فلما اعترض على موقفه طرده من بيته فخرج غير نادم على ما حدث لأنه نذر نفسه لله عز وجل وقال كما قال الله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163} الأنعام
ثم أخذ يدعو قومه بالحكمة تارة وباللين تارة وبالجدال تارة فيذهب إلى من يعبدون النجوم وهم كثير في بلده الأولى العراق ويسمون الصابئة ، وجلس معهم ليلة طويلة عريضة وقال لهم: ماذا تعبدون؟ قالوا: هذا ، وأشاروا إلى نجم فانتظر حتى أفل النجم ، وقال: إني لا أحب الآفلين
ثم أشاروا إلى القمر فجلس معهم حتى طلع الصباح وكسف ضوء القمر فقال أيضاً: إني لا أحب الآفلين ثم طلعت الشمس فقال متهكماً: أظن أن هذا إله أكبر فنورها أسطع وحجمها أكبر وإشراقها أوسع ثم جاورهم حتى غابت الشمس وأقام عليهم الحجة بأن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر وإنما الإله الحق هو رب العالمين عز وجل
فما كان منهم إلا أن أخذوه إلى النمروذ ملكهم وكان قد طغى وبغى وأدعى الألوهية ، قال: يا إبراهيم هل علمت لك من إله غيري؟ ألك رب سواي؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت ولم يعبأ بسلطانه ولم يهتز لصولجانه ولم يهب من كثرة جنوده مع أنه من الملوك المعدودين الذين ملكوا أكثر البسيطة الأرضية إلا أن الإيمان ثبت قلبه وقوى فؤاده
فقال النمروذ: أنا أحيي وأميت ، قال: كيف؟ فجاء برجلين حكم عليهما بالقتل وأشار إلى حاشيته وقال: اقتلوا هذا ، ثم أشار إلى الآخر وقال: أنا عفوت عن هذا أنا أحييته وأعطيته حياة جديدة ، وظن أنه كسب الجولة فإذا بإبراهيم الذي علمه العليم الحكيم يأتيه بقاصمة الظهر ويقول له {فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} البقرة258
واحتار في الأمر وتروى وتدبر ثم أطلق سراحه بعد أن أمر الجميع أن لا يكلموه ولا يحدثوه ولا يستمعوا إليه ولكنه أصر على أن يكمل رسالته مع الله عز وجل ، فخرجوا في يوم عيدهم وأرادوا أن يخرج معهم ، فقال: إني سقيم أي إني مريض من كفركم وشرككم بالله عز وجل وصمم على أن يأتي لهم بمصيبة جديدة تلفت نظرهم إلى الله فجعلهم يتوجهون إلى حضرة الله فخرجوا وتركوه وحيداً عند بيوتهم ، فخرج إلى الأصنام وحطمها جميعاً ثم وضع الفأس على رأس كبيرهم ، فلما رجعوا ووجدوا ما حدث {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء59
قالوا: ومن يكون إلا إبراهيم لأنه الوحيد الذي يعيب علينا عبادة هذه الآلهة ويسخر بها ويستهزأ بها فجاءوا به وقالوا: {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا{63} الأنبياء
وأشار إلى أصبعه الأكبر {يعني أن يده هذه هي التي فعلت} وأشار بيده إلى الصنم الأكبر لأن الأنبياء لا يكذبون في مزاح ولا في لهو ولا في شئ لأن الله عز وجل ثبتهم على الحق ، فقال: بل فعله كبيرهم هذا وهو يقصد إصبعه الأكبر وهم يظنون أنه يقصد الصنم الأكبر ثم أخذ يجادلهم ، وبعد ذلك علموا أنه على الحق وإنهم على الباطل ومع ذلك أخذتهم العزة بالإثم
[/SIZE]